«فورين بوليسي»: تصريحات ترامب بشأن كندا وغرينلاند تثير قلقاً دولياً
«فورين بوليسي»: تصريحات ترامب بشأن كندا وغرينلاند تثير قلقاً دولياً
أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب حول التوسع الإقليمي في كندا وغرينلاند جدلاً واسعاً، مما يعيد إلى الأذهان سياسات التوسع الإمبريالي التي انتهجتها الولايات المتحدة في فترات تاريخية سابقة، حيث تثير هذه التصريحات، التي تناولت رغبة الولايات المتحدة في تعزيز نفوذها على مناطق استراتيجية في العالم، تساؤلات بشأن تداعيات هذا التوجه على حقوق السيادة الوطنية للشعوب والدول في هذه المناطق.
في تحليل نشرته فورين بوليسي، الأربعاء، أشار الكاتب هوارد و. فرينش إلى أن تصريحات ترامب بشأن غرينلاند وكندا تثير قلقاً واسعاً حول إمكانية عودة سياسات التوسع الإقليمي التي كانت سائدة في القرنين التاسع عشر والعشرين، مؤكدا أن هذه التصريحات لا تعكس فقط محاولة لفرض النفوذ الأمريكي على أراضٍ خارجية، بل أيضاً تجاهل لحقوق السيادة الوطنية التي اكتسبتها هذه الدول والشعوب على مر العقود، مما يهدد الاستقرار الإقليمي والحقوق الأساسية للآخرين.
وأثار الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، موجة من التعليقات والتكهنات بعد تصريحاته الأخيرة حول إمكانية التوسع الأمريكي في مناطق تشمل كندا وغرينلاند وقناة بنما، وكثرت التحليلات التي تسعى لفهم دلالات هذه التصريحات، ما بين تحديد ما إذا كانت مجرد تصريحات استفزازية أو محاولة للتشويش على قضايا أخرى، وبين تساؤلات عن رد فعل سكان هذه المناطق على فكرة انتقال السيطرة الإقليمية للولايات المتحدة، ومع ذلك، غاب عن الكثير من النقاشات سؤال أساسي يتعلق ما إذا كان هذا التوجه سيكون في مصلحة الولايات المتحدة.
هوس بالهيمنة والتوسع
منذ الإعلان عن فوز ترامب بمنصب الرئاسة، لاحظ العديد من المراقبين مدى تمسكه بالأفكار القديمة التي تركز على السياسات التجارية وحواجز الرسوم الجمركية، يبدو أن ترامب يعيد إلى الأذهان ممارسات اقتصادية تعود إلى حقبة ريغان في الثمانينيات، أو حتى سياسات الحماية التجارية التي اتبعتها الولايات المتحدة في بدايات القرن العشرين، تحت قيادة شخصيات مثل الرئيس هيربرت هوفر الذي أقر في عام 1930 قانون "سماوت-هوالي" الذي رفع الرسوم الجمركية لحماية الصناعة الأمريكية.
تعود أصول السياسة التوسعية للولايات المتحدة إلى بدايات القرن العشرين، وبالتحديد إلى انتصارها في الحرب الإسبانية الأمريكية عام 1898، والتي أسفرت عن ضم بورتو ريكو وغوام والفلبين، كما شهد نفس العام تحركات في الكونغرس لتعزيز السيطرة على هاواي، منذ تلك اللحظة، بدأ التحول في مكانة الولايات المتحدة لتصبح قوة عالمية ذات طموحات خارج حدودها القارية.
تعزيز الهيمنة عبر القوة الاقتصادية
بعد الحرب العالمية الثانية، ومع بداية رئاسة فرانكلين د. روزفلت، شرعت الولايات المتحدة في قيادة العالم نحو مرحلة جديدة من التعاون الدولي مع شعوب كانت تحت الاستعمار.
وقد ساعدت الولايات المتحدة في دفع الدول الأوروبية للتخلي عن مستعمراتها، كما ظهرت مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، التي لعبت دورًا محوريًا في إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي بما يحقق المصالح الغربية، وخاصة الأمريكية.
ومنذ بداية التسعينيات، بدأ العالم يشهد تحولًا بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية التي سادت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وشهد العالم ظهور الصين كقوة اقتصادية عالمية في تحول تاريخي غير متوقع.. في السبعينيات، كانت الصين تنتج فقط نحو 1% من السلع المصنعة في العالم، بينما بحلول عام 2023، أصبحت الصين مسؤولة عن نحو 34% من الإنتاج العالمي.
التوسع الإقليمي.. رؤية ترامب
يرى ترامب أن الولايات المتحدة يمكنها التمسك بموقعها العالمي من خلال التوسع الإقليمي والسيطرة على مناطق مثل غرينلاند وكندا وقناة بنما، إلا أن هذا التصور يعكس نظرة قديمة وغير دقيقة تجاه طبيعة التغيير التاريخي والاقتصادي، فالولايات المتحدة إذا انشغلت بتوسعات إقليمية من هذا النوع، فإنها ستغفل عن التحديات الحقيقية التي تواجهها في مجالات التكنولوجيا والصناعة، حيث تواصل الصين استثمارها في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة الخضراء والتقنيات المتقدمة.
وترى الصحيفة، أنه حتى وإن كانت تصريحات ترامب حول كندا وغرينلاند وبنما مجرد نزوات عابرة، فإنها ستؤدي إلى نتائج غير مرغوب فيها على المستوى الدولي، فقد تساعد هذه التصريحات في شرعنة العدوان الروسي المستمر ضد أوكرانيا، وكذلك تعزيز المطالب الصينية تجاه تايوان، التي تهدد الصين بضمها بالقوة.
ويمكن لهذه التصريحات أن تفتح المجال أمام حركات توسعية في مناطق أخرى، مما سيؤدي إلى تزايد الأزمات والصراعات الدولية.
وتعد تصريحات ترامب حول التوسع الإقليمي مجرد بداية لمشكلة أكبر قد تؤدي إلى سلسلة من التحركات العدائية على الصعيد الدولي، وإذا استمرت الولايات المتحدة في تبني سياسات مشابهة لهذه التصريحات فإن ذلك سيزيد من الاضطرابات على مستوى العالم ويعزز المواقف التوسعية لدى دول أخرى.